الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب إلــى الشـاهـد: هــذه الزوابع قادمة، فحذار!ا

نشر في  07 سبتمبر 2016  (10:48)

استمعت بكلّ اهتمام الى خطابك الذي أعلنت خلاله انّ هناك اصلاحات هامّة ستشمل أيضا الصحّة وجرايات الشيخوخة بصفة عامة والنّفقات الاجتماعية..هذه الاصلاحات التي كان اعلن عنها المهدي جمعة ثمّ ذكرتنا أنت بحتميّتها ستمسّ من ركائز المجتمع التونسي ومن ثوابت السياسة البورقيبيّة التي تتمثّل في الصحة والتعليم وفي حقوق المرأة، وهي ثوابت لم تجرؤ أيّة حكومة على النيل منها طيلة  60 سنة! فلأوّل مرة في تاريخ تونس المعاصر تحاول حكومة ايجاد حلول للمديونيّة عبر الضغط على نفقات الوزارات الاجتماعيّة.. فعوض ان تفرض حكومتكم العدالة الجبائية ـ مهما كان الثمن ـ وعوض ان تفرض التقشّف علي نفسها وبدل ان تضغط على بارونات التهريب من خلال اجراءات مالية زجرية، اختارت الحلول التي تبدو سهلة والتي ستثير حتما اضطرابات لا تتصوّرها لأنّ ايّ حكومة ستمسّ من القدرة الشرائيّة للطبقات الوسطى والفقيرة وستمسّ من «الصحة» و«التعليم» ستصيب التونسيين في الصّميم وستدفعهم الى احتجاجات لايمكن تصوّر عواقبها.

انّ اقرار العدالة الجبائيّة وفرض أتاوات هامة على كبار المهرّبين وتقشّف الحكومة سيوفّر ما بين 10.000 و15.000 مليار اي أكثر بكثير من ميزانية التربية (4525 مليارا من مليماتنا) وميزانية الصحّة (1751 مليارا من مليماتنا) و(5000 مليار من مليماتنا المخصّص للدّعم).. لقد اخترتم تطبيق قرارات موجعة للشعب التونسي وكان أحرى بكم اجبار أصحاب المهن الحرّة وكبار بارونات المافيا على القيام «بواجبهم» الجبائي..
لنبدأ بقطاع الصحّة الذي كان مفخرة من مفاخر تونس قبل ان ينخره الفساد وسوء التصرف والذي خصّصت له ميزانيّة بـ 1751 مليارا من مليماتنا سنة 2016.. هل سبق لك أن عالجت في مستشفى عمومي؟ إذا أردت «الاستمتاع» بذلك فاستعد لرحلة مضنية ومهينة تنطلق من تحديد تاريخ الفحص  وعادة ما يكون بعد أسابيع عديدة، وحين يأتي اليوم الموعود تجد 60 أو 70 مريضا في انتظار الطبيب في ظروف لا يعلمها الاّ الله، ويحدث أن يغيب القابض فترسل الى قباضة أخرى وتنتظر ساعات! ثم عليك ان تمرّ بسرعة قياسية أمام طبيب يعاني من اكتظاظ مرعب إذ يمكن أن يفحص أكثر من 50 مريضا في الحصّة الواحدة، وقد ينتهي الفحص بتقرير اجراء عملية جراحية بعد أشهر! انّ مستشفياتنا التي كانت  مضرب أمثال صارت تقدّم خدمات بائسة وفي الآن نفسه يزدهر القطاع الخاصّ رغم الجهد البطولي لعدد هام من الأطبّاء والممرّضين المجاهدين.. لا نريد نظاما صحّيا يسمح للأثرياء والمنخرطين في شركات التأمين بالتداوي في أفضل الظروف، وفي المقابل نظاما صحّيا كارثيا للطبقات الوسطى والفقراء علما انّ أغنياء هذه البلاد واصحاب القرار في صندوق النقد الدولي  يجهلون حالة المستشفيات التونسية وأوضاعها الكارثيّة.. وفي هذا السياق أذكركم ـ سيدي رئيس الحكومة ـ بأنّه يمكن الضغط على نفقات المستشفيات التونسيّة بمحاربة الفساد والتصدّي لسرقة الأدوية وأيضا للدّور السلبي  لبعض النّقابات ثمّ ضخّ أموال إضافيّة حتى لا تصبح تونس جحيما للطبقات الوسطى والفقراء.. وتجدر الإشارة الى أنّ الفساد في المستشفيات يقدّر ـ حسب الخبراء ـ والمختصّين بما بين 200 و300 مليار سنويا! فلا تكن أنت وحكومتك التلميذ النّجيب لصندوق النقد الدولي الذي ليس له قلب بل حساب بنكي فقط!

ثم من ضمن التقشف المنتظر، المس من نفقات وزارة التربية والحال انّ مجال التعليم يمر بمشاكل عويصة بدءا بإضرابات تقرّرها النقابات،  الى البطء في ارساء نظام تربوي وتعليمي حديث، وفي هذا الصدد لن نذيع سرّا اذا قلنا انّ العائلات الميسورة تلحق اليوم أبناءها  بالمدارس والمعاهد والكليات الخاصة التي تضمن تكوينا أفضل وأنجع.. مهما يكن من أمر، هناك أولويات تتمحور حول تكوين المكوّنين ووضع برامج حديثة وصيانة المدارس وتطوير معارف التلميذ بدل البحث عن التخفيض في ميزانية وزارة التربية والتعليم.
وبخصوص الملف الاجتماعي وخاصة التقاعد retraite، هناك اجراءات مثل اضافة سنتين إلى سنّ مغادرة الشغل وتحسين مردودية الصناديق الثلاثة علما انّ السياسات الحالية ستتسبّب في عجز مالي قدره 4256 مليارا من مليماتنا سنة 2020..
انّ الحلّ ليس في التخفيض في جراية «المتقاعدين» بل في اتخاذ تدابير أخرى لأنّ هذا القرار ـ لو اتخذ ـ سيؤدي الى «انفجار» المتضرّرين وأغلب النقابات.
بقي انه من الواجب أيضا مراجعة صندوق الدعم لكن دون الاضرار بالطّبقات الوسطى والمعوزين لأنّ العدالة تقتضي حماية هذه الطبقات ولأنّ كل التحركات الشعبية في تونس اندلعت عندما حاولت الحكومات المس بـ«قفة الزوالي».. فبالإمكان مثلا الترفيع في سعر البنزين لكن لا يعقل الترفيع في سعر الخبز او العجين بصفة ملحوظة، فالمثل العامي يقول «اللي مسّلك قوتك، معمّلك على موتك».. انّ أكبر الخطر ان تظهر حكومة السيد يوسف الشاهد وكأنّها حكومة في خدمة صندوق النقد الدولي أو كبار الأثرياء و«المهرّبين» والرّافضين للعدالة الجبائيّة وبارونات التجارة الموازية وان كانوا اصدقاء لكبار الأحزاب.. ومن الاجراءات التي لا مفرّ منها، فرض التقشف على الإدارات وبعض الشركات الوطنية المفلسة التي تقدّم منح «العلوش» والعطلة الصيفية والعطلة الشتوية وحتى الحج، وكل ذلك من «رزق البيليك» وبفضل الاقتراض من البنوك والمؤسّسات المالية الدولية!
انّ المطلوب من السيد يوسف الشاهد هو حكومة حرب ذات توجّهات اجتماعيّة،  وفي الآن نفسه توفر الظروف الاجتماعيّة والمالية الملائمة لرجال الأعمال والا غرقت بلادنا بسبب قصر نظر الطبقة السياسيّة وأصحاب الحقائب الوزاريّة!
ثمّ حذار من الاضطرابات في المدن الحدوديّة، فقد تفتح ـ لا قدر الله ـ أبواب تونس أمام داعش والارهاب.. ولو تعاملت الدولة بميوعة مع التحرّكات العنيفة ستكون يا أستاذ يوسف المسؤول السياسي الذي انهارت الدّولة التونسيّة في عهده.